Wednesday, September 11, 2013

آخر الأيام العادية

فتح مقليتة بصعوبة و هو يحاول مقاومة النعاس الذى يطبق على أجفانة …. كانت هذة المرة الثانية التى يدق فيها جرس المنبة اللعين ... فلقد أغلقة أول مرة ليستمتع بلحظات من النعاس اللذيذ …. فرك عينية و تثاءب ….. و نظر ليجد الساعة قد تجاوزت السابعة ببضع دقائق.

صاح متأففا كعادتة و هو ينفض غطاءة  الجاثم على جسدة و كأنة نائم هو الآخر. لطالما تعجب من ثقل الغطاء فى الصباح … جر جسدة مترنحا حتى يغسل وجهة بالماء فى محاولة يائسة للقضاء على النعاس الذى يرفض مفارقة أجفانة.

"ربنا يتوب علينا" صاح بها ليكمل طقوس الاستيقاظ اليومية التى دأب عليها طيلة الأربعين سنة الماضية ….. بالرغم من الوظائف العديدة التى شغلها لم يكف ذهنة يوما عن التساؤل ….... من الذى حكم بهذا الحكم الجائر أن يبدأ عملة فى الثامنة … و لماذا ليس ظهرا؟ …. من الذى يتحكم فية بهذة الطريقة …. فطيلة عمرة المهنى … مرات قلائل هى التى استيقظ فى سريرة متأخرا فى يوم بخلاف أيام اجازتة الرسمية ! …. من الذى سن قانونا يمنع أن يجلس الى ساعات الليل المتأخرة … تذكر انة منذ شهور لم يرى عقارب الساعة و هى تشير الى الثانية بعد منتصف الليل فى وسط الأسبوع.

لقد كان موظفا مثاليا. لا يتغيب عن العمل أبداً. لا يتأخر. لا يكل من العمل. لقد كان يضع كل يوم طوق العمل حول رقبتة و يشد علية و يدور كل يوم فى طاحونة العمل التى لا تكل ولا تمل. و فى حين كان يتنازل عن اجازتة السنوية لصالح عملة كان يتابع رب العمل و هو يسافر للاستجمام بين الحين و الآخر!!

كأنها عبودية مستحدثة …. فحتى و ان امتلك المال فانة لا يستطيع الانقطاع عن عملة شهر ولا حتى أسبوع ليستمتع بوقتة. لقد ظل سنوات و سنوات يبحث عن هذة اليد الخفية التى تتحكم بة و من حولة. عن هذا العقل الشيطانى الذى أرسى هذا النظام الجهنمى حيث يعمل هو الآخرون ليحصد ثمار العمل أفراد بعينهم  حتى مل السؤال و أيقن أنة لا اجابة.

جر جسدة الشبة مستيقظ لينحشر فى سيارتة … أدار سيارتة ليرد علية محركها بهذا الصوت الكئيب الرتيب معلنا عن غضبة من هذة الركلة المفاجئة صباحا … معترضا على استيقاظة مبكرا هو الاّخر. سار فى طريقة الى العمل و هو يفكر فىما ينتظرة فى العمل …. انة المعتاد .. بعض الاجتماعات و بعض الأوراق … متابعة آخر الأعمال … لا شئ جديد …. و كان قد اعتاد القيادة بنصف عقلة فقط. و لكن انتبة الى الزحام الشديد الغير العادى. فتش فى ذاكرتة ليكتشف أن اليوم هو أول يوم دراسى و تذكر أحفادة و أنهم لابد أنهم فى طريقهم الى مدارسهم. مرت فى ذاكرتة لحظات سريعة من الحسرة عندما تذكر أولادة. دائما يخالجة هذا الشعور القاتل بالوحدة. لم يزرة أحد منذ شهر تقريبا و كانوا جميعا قد تزوجوا و شغلتهم حياتهم. أخرج تليفونة المحمول و كلم ابنة الذى رد علية بصوت قلق. فلم يعتاد أن يحدثة فى هذا الوقت المبكر "طيب الحمد الله يا بابا أنك كويس". بدا لة صوت ابنة هادئا مطمئنا "طيب معلش أنا هاقفل معاك عشان معايا تليفون شغل …... اة طبعا هنجيلك بس مش الأسبوع دة انت عارف بقى المدارس لسة بادئة و وجع الدماغ اللى فى الأول …. حاضر ان شاء الله … سلام"

وصل الى عملة متأخرا و هو يلعن الزحام …. نصف ساعة كاملة ضاعت فى زحام شوارع المحروسة و لعن من جديد هذا النظام الذى يستعبد البشر ليفرض عليهم جميعا النزول فى وقت واحد الى الشوارع و يفرض حياة واحدة متكررة بنسخ كثيرة مختلفة الأشخاص فقط.

"صباح الخير يا عم محمد" … "صباح الخير يا بية. أخبار صحتك اية؟ " … كانت المحادثة السريعة المعتادة على باب العمل مع عم محمد الطيب حارس العقار ليدلف بعدها الى مكتبة و يباشر عملة بعد القاء تحية الصباح على زملاءة …..
.
.
.
.

اجتماعات … امضاءات … اجتماعات … و انتهى اليوم ليخرج مودعا أصدقاؤة ممازحا صديق عمرة "يا أخى الواحد مش عارف هيرتاح من الشغلانة دية امتى عشان ميشوفش وشوشكوا تانى" ليرد صديقة " خلاص يا خويا … من بكرة مش هترتاح مننا يا عم … على الله بس ماشوفش رقمك على موبايلى و بتقولى انزل قابلنى على القهوة" سأل صديقة مكملا مزاحة "لية هتستقيل ولا اية" ليرد علية صديقة " لأ انت اللى مش هتيجى انت ناسى ولا اية انت طلعت النهاردة على المعاش!"

تسمر لحظات طويلة و أفاق على صوت صديقة "اية مالك … سرحان فى اية .. انت تعبان تحب أوصلك؟" ابتسم فى هدوء مخفيا انزعاجة "لا لا انا زى الفل أهو … سلام عليكم"

نظر الى  مكتبة و هو يلملم متعلقاتة …. سنين طويلة و هو يجلس فى هذا المكان …. لقد أصبح يحفظ مكتبة عن ظهر قلب … لقد اعتاد على رؤيتة أكثر من أولادة و سريرة الخاص …. انة يحفظ هذا المكان عن ظهر قلب … انة يعلم كم عدد درجات السلم التى يقطعها نزولا و صعودا كل يوم.
تأمل عم محمد و باب العقار …. أليس هذا ما كنت أدعو بة كل يوم .. ألم أحلم دوما باليوم الذى لا أعمل فية لأستمتع بالحياة ؟ …. عدل منظارة الطبى على عينية … أى حياة ! لقد ضعف نظرى و نحل جسمى.
..

.
.
تأمل ثانية هذا الزحام الشديد …. تذكر اولادة و كيف أنهم يسيرون فى نفس الدرب … كل هؤلاء البشر هم عبيد لنظام خفى و لكنة محكم …....... تذكر أنة قرأ كل ما يراة قبل أن يبدأ … لقد قرأ هذا المصير فى قصة قصيرة أيام شبابة …. ة لقد تذكر أنة سخر قديما من هذة الحياةه المملة الرتيبة .... كان شديد الوثوق أنة سيختلف ختلف و سيبتعد عن هذة الهاوية …. و هاهو الآن فى منتصفها.                      تمت!!!
..................
طوي أحمد ابن الخامسه و الثلاثون هذه الصفحة من كتاب القصص القصيرة الذي اشتراه مؤخرا.  و جلس يسترسل في القصة.  انها مكررة و هو متأكد انه قرأها عشرات المرات من قبل و لكن هذه القصة أيقظت حلمه الحبيس لتدفع بتفكيره الي حالة و مستقبله.
جال بخاطره هاجس مرعب أنه سيكون بطل هذه القصة يوما ما.

لا يعرف ماذا عساه ان يفعل؟!! هل يستسلم لخطاه الممدوده امامه؟ هل يكمل دوره في تلك الرواية الممله التي سئم قديما حتى قرائتها؟
هل يكمل مابدأه الاخرون ليصبح حلقة في سلسلة طويله لا يعرف نهايتها...ام هل يثور؟
يثور؟ قالها مستمعا لنفسه وكأنه اول مرة يسمعها...نعم انها الاولي..من انت حتى تثور (ضاحكا مستهزئا بنفسه) انت تثور؟

الا تتذكر ايامك الاولى..انت …. الذي طالما كنت اضحوكة اصدقائك الذين يعرفونك جيدا ويعرفون ان كل مايشغل بالك ان تستقبل الشهر ومديرك راض عنك؟!! ويأتي نصف الشهر وانت متشوق الى الحوافز التقديرية وينتهي بك الشهر الى الوقوف في طابور طويل لاستلام مرتبك الهزيل الذي طالما كنت تتباهى امام اصدقائك انك لم تستمع الى افكارهم الشيطانية وتستغل موهبتك في الكتابة ولا تدفن نفسك في ذاك المكتب العتيق مع امثالك من محبي الحائط؟

نعم الحائط...هكذا كانوا يسمونك...ذليل حائط الميري الذي طالما تمرغت بترابه..فجاء الوقت وان دفنت في نفس هذا التراب

No comments:

Post a Comment